[frame="8 10"]
لو بحثت في سير الصالحين السابقين واللاحقين أجمعين ، تجدهم قد حصلوا هذه المنازل والدرجات الراقية ، بالتجمل بأخلاق من السلف الصالح وأخلاق سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم ، وقد نالوا بذلك الكمال وليس بالمسابح أو بالعدد ولكن بالمدد
فلا يجاهد بذكر اسم اللطيف مائة وعشرين مرة ، ولكن يجاهد نفسه أن يكون لطيف مع عباد الله كما كان حَبيب الله صلى الله عليه وسلم ، ويتجمل بالأخلاق المحمدية في كل المواطن ، وكلما تخلق بخلق نزل عليه إرث هذا الخلق من كنوز الفضل المحمدي ، فإذا تجمل بالصدق خلع الله عليه رتبة الصديق {لا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً}[1]
وبذلك يأخذ هذه الرتبة ، وإذا تحلى بالأمانة جعله الله أميناً على أسراره وخازناً لأنواره ويأتمنه على أسرار الحضرة، أسرار كتاب الله ، وأسرار الأقدار التي يقدرها الله وذلك لأن الله وجده أميناً فأتمنه على أسراره التي لا تهدى إلا في حينها إكراماً له ، لأن الله يكرم عباده الذين يتخلقون بأخلاق حَبيبه ومُصطفاه
وإذا جمله الله بصفاء النفس وطهارة القلب أكرمه الله وجعله يشهد عالم الطهر وعالم النقاء والصفاء وهو على تراب هذه البسيطة قابع بين من هنا ومن هناك ، وإذا أكرمه الله وعمل بقوله {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} الحشر9
ويقول الحَبيب {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه}[2]
وتخلق بخلق الكرم المحمدي فتح الله له كنوز الكرم الإلهي وأكرمه بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من العطاءات الربانية والخصوصيات الإلهية من كنوز الكريم عز وجل ، وإذا أكرمه الله بالوفاء وكان وفياً حتى مع الأعداء كما كان سيد الأنبياء وفَّى الله له بما وعد به عباده الصالحين وأحبابه من النبيين والمرسلين ودخل في قول الله {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} الأحزاب23
إذاً وراثة الأحوال ووراثة الأنوار ووراثة النبوة لمن تخلق بأخلاق رسول الله واجتهد أن يكون على منهج أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين وهذا هو المنهج الذي اختاره حضرة النبي واختاره الصحابة والتابعين وتابع التابعين والأولياء والصالحين إلى يوم الدين ، ماذا أفعل؟
أفتِّش في نفسي ، وأزن نفسي بحبيب الله وأصحاب رسول الله ، وأرى أين أنا منهم؟ ولن يظهر أحد لك ما عندك لكنك أنت الذي تبين لنفسك {طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس}[3]
فلو ذهبت للطبيب الجسماني وأنت تعاني من مرض ولكنك تكابر وتنكر أنك مريض هل تستجيب أو تنتفع بالطبيب؟ لا ، ولكن عليك أن تعرف ما عندك ، كيف أعرف؟ أزن ، أرى أحوال حضرة النبي وأحوال الصحابة الكرام ، وأزن نفسي بهم وأحاول أن أُصلح من أخلاقي ، واحداً تلو الواحد ، وأبدأ أولاً بالنقاء والصفاء للنوايا والطوايا والقلب وهذا هو الأساس الأول والمحرك {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ }الحجر47
ويكون ظاهري كباطني ، ومن كان حول رسول الله صنفان ، صنف منهم ظاهرهم كباطنهم والصنف الآخر يظهرون خلاف ما يبطنون وقد قال في هؤلاء {إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة ذا الوجهين الذي يلقى هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه}[4]
وهذا نفاق ، ومن يكون على هذه الشاكلة فحتى لو جلس مع المؤمنين أبد الدهر ، هل سيكون منهم؟ لا ، فيلزم أولاً أن أطهر باطني من أوصاف المنافقين ويكون ظاهري كباطني ، صفاء ونقاء وجمال ونور وبهاء ، وأتخلص بالكلية من حب الظهور والعجب والرياء لأن هذه الصفات لو ظلت معي فلن أتحرك قدر أنملة في طريق الله أو في القرب من سيد الأنبياء ، طالما أريد أن أظهر وأفرح عندما يثني الناس عليَّ أو أعجب بنفسي عندما أعمل أي عمل ، فلا بد أن أتخلص من هذه الآفات في البداية ، ثم بعد ذلك أكمل أخلاقي
هذه باختصار شديد هي الروشتة التي كان عليها {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} الفتح29
[center]
[size=32]
{1} مسند أحمد بن حنبل وصحيح ابن حبان عن عبدالله
{2} صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة
{3} شعب الإيمان للبيهقي وحلة الأولياء عن أنس بن مالك
{4} صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة[/size]