تاه مركبه على صفحات المحيط وأخذت المياه تقذف بعظيم الموج حتى أتت على بقايا ذلك المركب المتهالك فبقي هائما أياما تعبث به الأمواج وتتلاعب به الريح وتلهو به الأسماك وقدر الله له بعد ذلك النجاة، وقد سئل بعد ذلك عن أعظم درس تعلمه من هذه التجربة المريرة وذاك العذاب الأليم فقال كلمة عجيبة:
(لو امتلكت الماء الزلال والغذاء فلا يحق لي بعد ذلك أن أشكو من مر!(
إن من أيسر دروب الشقاء وأسهل وسائل التعاسة التوسع المندفع في تمني ما فُقد وتعليق أمر السعادة على هذا المفقود!!
وتلك العقلية التي لا تحترم نعمة ولا تجل عطاء ولا تقدر منحة تصنع شخصية مهزوزة قلقة ..
وإني أتساءل: هل سمعتم في هذا الكون الفسيح ممن كبر قدره وعلا أمره وذاع صيته أنه قد امتلك كل ما يتمنى؟!
إن لم يسيطر الإنسان على أطماعه سيجد نفسه تركض هنا وهناك نحو عدد لا حصر له من الأشياء التي يتمنى امتلاكها ولن يمتلكها قطعا!
وقفة:
يقول الحبيب- صلى الله عليه وسلم-: (من أصبح آمناً في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)، أي حكمة وأي سكن نفس وأي راحة بال في ثنايا هذا الحديث العجيب وبين سطوره المضيئة..
الدنيا بأكملها قد أعطيت لمن يملك تقديراً للنعم وفهماً عميقاً وتصوراً راسخاً عن قيمتها!
يقول الشيخ محمد الغزالي معلقاً على الحديث(إنك تملك العالم كله يوم تجمع هذه العناصر كلها بين يديك فاحذر أن تحقرها, إن الأمن والعافية وكفاية يوم واحد تتيح للعقل النير أن يفكر في هدوء واستقامة تفكيراً قد يغير مجرى التاريخ كله).. انتهى كلامه.
ما أروع أن نكبح جماح النفس وأن نحصر نطاق أمانيها اللامتناهية..
لا يستدركن علي أحد بأني أدعو لقتل الطموح ووأد التطلع أبداً، ولكن ما أقصده هو نسف القناعة التي تحكي بأن السعادة هدف.
وأذكر قاعدة شرعية تطهر النفس من أطماعها وتجلي للإنسان المقومات الأساسية للسعادة)والمؤمن على كل حال صابر شاكر) وأن كل ما زاد عن تلك المقومات هو إضافة جديدة ووردة تضاف لبستان السعادة الحاضر أساساً، وسيعيش متحرراً من الضغوطات رافعاً من شأن نفسه ومعلياً لهمته..
أنا إن عشت لست أعدم قوتا..... وإذا مت فلست أعدم قبرا
همتي همة الملوك ونفسي..... نفس حر ترى المذلة كفرا
وهكذا نحرر النفس من رق الطلبات الطموح غير المنضبط...
استحضر نعم الله عليك واجعلها حاضرة في وعيك، دع شمس حياتك تشرق كل يوم مسبحة بنعم الله التي لا حد لها.
ومضة قلم : قلما يفكرُ الناسُ فيما يمتلكون من نِعم.... لكنهم دائمو التفكير فيما ينقصهم!