رجل ينتظر أن يرزقه الله ابناً فلم يكن له ذلك إلا بعد الثمانين من عمره
حِرْصُ ابن الثمانين على الولد ليس كحرص مَن هو دونه في السن فكيف وهو ابنه الوحيد , الحفاظ على الأشياء ولو كانت من الأقوال من طبيعة بني آدم ومِن خصائص جوانبَ من النمو في هذه المرحلة
عندما طلب إخوة يوسف من يوسف أن يستغفر لهم الله قال { قال لا تثريب اليوم يغفر الله لكم } وعندما طلبوا من أبيهم يعقوب الطلب
ذاتَه { قال سوف أستغفر لكم } الشاهد من سورة يوسف .
ولكن العجيب أن تجدَ من البشر مَن يزيد عطاؤه وكرمه كلما تقدّم به العمر وهو من علامات الخير والسعادة إن كان هذا البذل وهذا
العطاء طبعياً خلْقِيا أمّا أن يكون هذا البذل لله وحده فهو توجيه محمود لكرم الكريم وهو أمرٌ يسأله كلُّ عاقل حصيف حتى يختاره الله ليجعله مِن أهل السعادة
لم يهب الله هذا الرجل العظيم طفلا طيلة عقود عمره حتى تجاوز الثمانين من العمر فأصبح له ابن واحد فكان منه تصرف غريب
عجيب
ذهب هذا الرجل العظيم بابنه إلى أرض جبلية وعِرة مخيفة بالمقاييس البشرية فهي شديدة الحرارة جبالها خالية من الخضرة كأوديتها الجافة ليس فيها أدنى أثرٌ لآدمي , ثم ترك الابن وأمَّه فيها دون أن يضع عندهما
طعاما أو شراباً فكانت نسبة حياتهما ونجاتهما المتوقعة في هذه البيئة ضئيلة
حتى أنقذ الله المرأة ووليدها
ثمَّ يعود الأب الثمانيني بعد ذلك بأمر لا يضع فيه مجالاً لأدنى نسبة للحياة في جسد ابنه ليعيش بهذه الدنيا فقد قدِمَ لتذكية ابنه وذبحه .
وهذا الرجل في عمر يكون حب الآباء فيه لأبنائهم كأشد ما يكون الحب والعطف , لو كان ذبح الابن بعد أن صار هذا الابن رجلا لكان أهون على النفس ولو ذبحه بعد ولادته لكان كذلك فلا يجد عليه ذلك الوجد ، ولكن ابنه هذا في عمر السعي وهو عمر نجد فيه أكثر الناس قد نذروا فيه أنفسهم لرعاية أولادهم من أهل هذا السن أكثر من غيرهم وتفانوا لتوفير سبل الراحة والمتعة لهم .
اختبر الله خليله إبراهيم بعد هذا العمر ليضع ابنه الوحيد في مكة الخالية من السكن وما يحتاجه الناس فيرعاهما الله ثم يأتي الإختبار الكبير والبلاء العظيم بحق عندما أمره الله بذبح ابنه فاستجاب كما استجاب ابنه فكان النجاح والفلاح الضخم
رفعهما الله به أعظم رفعة ومنحهما مكانة أعظم من مكانة تلك الأرض المباركة التي أقسم بها خالق الكون
وكان السر في ذلك النجاح الكبير هو الإنقياد والإستسلام التآم لأمر الخالق جلَّ وعلا
في قوله تعالى
{ فلمَّا أسلما } .
لقد أسلما وانقادا لمراد الله واستسلما طائعين
فاستحق إبراهيم بأن يكون خليل الله وأبا الأنبياء والرسل
وفي بواطن المحن التي تعترض الإنسان من شهوات وشبهات ومشاكل رفعة وفلاحا عندما يعرضها على الشرع وحكم الله في ما هو فيه من امتحان فيطيع الله ويطبق أوامره سبحانه على نفسه وعلى مَن هم تحت يده لتكون حياته كلُّها لله وحده في كلِّ وقت وزمان وفي أي مكان على هذه الأرض
حتى يرفعه الله بها فلا يشقى الموفق المنصور .
أسأل الله أن يوفقني وإيَّاكم لطاعته والإنقياد لأوامره في رمضان وسائر الشهور
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .