أول من أدخل المرأة الأندية الأدبية.. «شخصية الجنادرية ومكرمها»:
الشيخ عبد الله بن إدريس يؤيد تولي المرأة مناصب عليا ويوصي الشباب: وطنكم أمانة
الجزيرة الثقافية : سعيد الدحية الزهراني - علي مجرشي:
لا يفضل صيغ الأوليات.. وله استماح العذر عندما استعملناها في العنوان أعلاه.. مع أنه حري بأن ينطق بها مثلما طبقها.. في زمن ربما كان مجرد التفكير في بعض المفاصل جريمة.. عبدالله بن إدريس.. الشيخ والأديب والإداري وقبل هذا وذاك «الوطني» الذي غاب عن ذهنه كل شيء عندما سألته عن ختام ما يريد لهذا الحوار.. فلم يشكر ولم يستهلك ولم يبك ولم يتباك.. فقط حضر الوطن وشباب الوطن.. في ثوب وصية من هذا الثمانيني الذي لم يسأم زمنه فتهادى إليه مهرجان الوطن وواجهته الأبرز «الجنادرية» ليكرمه كشخصية العام الثقافية..في هذا الحوار أردنا فقط أن نحييه لا أن نحلله.. فعدنا وبنا من الشوق ما يحدونا إلى محاورته لاحقاً بحول الله.. وهنا لا يسعنا إلا أن نقدم التهنئة ل»أبو الأدباء» الشيخ عبدالله بن إدريس.. متمنين له دوام الصحة والسلامة.. وإلى الحوار:
-الشيخ الأديب عبدالله بن إدريس.. نبدأ بالتكريم.. ما هي القيمة الفعلية لهذا التكريم بعد عقود من العطاء الأدبي والوطني والإعلامي؟
- أولاً أشكر الجنادرية وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد الأمين وسمو الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز نائب رئيس الحرس الوطني على هذا التكريم.. كما أشكر معالي الشيخ الأخ عبدالمحسن التويجري. حقيقة هذا التكريم هو تكريم لمسيرتي الأدبية والحياتية لأكثر من 60 عاماً وأنا أمارس الكتابة الشعرية والنثرية.. إنه تتويج للجهد الذي زاد عن 6 عقود من السنين، ولا نقول إلا الحمد لله الذي بلغني هذا العمر لإكمال 80 عاماً. وتكريم الجنادرية كما تعرف.. يعطى لكل من خدم دينه ووطنه ولكل من أعطى لوطنه فهو يستحق التكريم من باب التشجيع والشكر والتقدير.
وفيما يتصل بهذا التكريم الذي تبنته الجنادرية كأروع صور الوفاء والاحتفاء لأبناء هذا الوطن الذين أعطوا وبذلوا وقدموا.. فهو بالنسبة لي امتداد وفاء منحني شيئاً من حقي في التكريم من خلال العقود التي مرت وأنا أواصل عطائي الشعري والنثري والنقدي والمؤسسي من خلال رئاسة نادي الرياض الأدبي لمدة ربع قرن وكذلك إصدار جريدة الدعوة أيضا، حيث طلب الشيخ محمد بن إبراهيم من الملك فيصل - رحمهما الله- السماح بإصدار جريدة باسم الدعوة فوافق الملك فيصل على إصدار هذه الجريدة ودعاني الشيخ محمد وقال لي هذه الجريدة طلبناها وهي لك وليس لنا شأن فيها سوى قراءتها. حيث كانت تصدر في 30 صفحة كالجرائد الأخرى ثم تحولت فيما بعد إلى مجلة بعدما تركتها بسنوات.
- كيف كان مستوى جريدة الدعوة إبان توليك رئاسة تحريرها هل كانت بمستوى تحرير الصحف السعودية الأخرى؟
- بل كانت وبدون مبالغة ضمن الصحف الأجود لكنها تفوقت من حيث الجرأة في الطرح الفكري.
- لماذا تحولت «الدعوة» إلى مجلة طالما كانت ناجحة كجريدة؟
- لما تركتها بعد 8 سنوات تحولت إلى مجلة ولا أتذكر الآن السبب لكنني أظن أنها نظرة توثيقية لمحتوى المجلة التي يسهل حفظها وتخزينها والمحافظة على محتوياتها بعكس الجريدة التي تنتهي بانتهاء يوم إصدارها.
- هل كان توجهها محافظ أوديني؟
- نعم كانت جريدة إسلامية الهدف لكنها منسجمة مع متطلبات العصر ومنفتحة فيها الرياضة والثقافة والترفيه ولم تكن صحيفة منغلقة أو محافظة..
- بعد ربع قرن على انطلاق فكرة الجنادرية كيف يرى الشيخ الأديب عبدالله بن إدريس الفعاليات الثقافية بالجنادرية وماذا يقترح لتطويرها؟
- طبعا التطوير مهم جدا في كل شئون الحياة فإذا وجدوا قنوات يسلكونها من اجل تطوير مهرجان الجنادرية فهذا جيد جداً.. وهي بالفعل تتطور عاماً بعد آخر وكان قد اعتر مناشطها الفكرية بعض الضعف خلال السنوات الماضية لكن الملاحظ عودة الجنادرية الفكرية للتألق هذا العام بعد أن تولى الشيخ عبدالمحسن التويجري زمام الأمر..
* بمن تأثر الأديب عبدالله بن إدريس أو بمعنى من هم شيوخ؟
- ليس هناك من شخص تأثرت به لأنني كنت أقرء الشعر القديم من صغري.
* ما علاقة الشعر بالنقد؟ وهل أنت على وفاق مع النقاد فيما يقدمونه من نظريات ومناهج؟
- الشعر ليس بحاجة إلى النقد ولكن النقد يأتي من باب توسيع مجال الشعر وتوضيح شيء من الرؤى التي تكتنف هذه القصيدة أو تلك.
- فن الرواية يقال إنه بدأ يكتسح عالم الشعر وبدأ يؤثر عليه ما هي رؤيتك؟
- لا أعتقد أن هناك شيئاً يغطي الشعر أو ينسخه أو أن يقلل من قيمته أبداً فالرواية موجودة والقصص موجودة والكتابات المتنوعة ولكن الشعر باقٍ وخالد كخلود الزمن ولا يمكن أن يموت ولا يمكن أن يستغني الإنسان عنه ذو الحساسية الدقيقة والموهبة.
- كيف كانت تجربتك في نادي الرياض الأدبي؟
- كانت تجربة ناجحة بفضل الله حيث كان نشاط النادي الأدبي في ذلك الوقت نشاط مكثف لم يقتصر على الرجال فقط بل النساء في ذلك الحين ونادي الرياض الأدبي في عهدي كان أول ناد أدبي أوجد للمرأة قسماً كاملاً للنشاط.. حينها كان النادي لا يوجد به سوى صالة واحدة.. ولهذا كنا ننقل الفعاليات إلى الفنادق الفاخرة بالرياض وتقام الفعاليات ويحضرها الرجال والنساء من خلال القاعات التي خصصت لكل منهما.
* برأيك شيخ عبدالله.. أين يقع الشعر السعودي بالنسبة للشعر العربي؟
- للشعر والشعراء السعوديين مكانتهم السامقة في الساحة الشعرية العربية وهذا واضح بلا جدال..
- تدفق المعلومات وتطور الآلة ومحفزات البصر كثيرة.. كيف ترى دور الكتاب في ظل هذا التواثب المعلوماتي المذهل؟ وهل سيكون الكتاب بصفته الحالية من بقايا الماضي؟
- لا أعتقد أن الكتاب قد يختفي أو يوجد ما يغني عنه، طبعاً هناك بعض الوسائل الحديثة ولكنها لا تلغي خلود الكتاب فهو باقي ولا أعتقد أن هناك من سيوقفه فالكتاب الورقي هو المرجع الأخير لدى كل قارئ ليس فقط للأديب ولا للعالم وإنما لكل إنسان يجد حاجته فيه.
- مسيرتك الأدبية الطويلة أليست بحاجة إلى توثيق.. هل تفكر في كتابة سيرتك الذاتية؟
- كتبت شيئاً من ذلك ونشرته في جريدة الجزيرة على مدى عدة سنوات عندما كنت أكتب زاوية أسبوعية.. وأنا بصدد جمع ما كتبت وإصداره تحت عنوان «قافية الحياة»..
- لماذا يصر البعض على الفصل القسري ما بين (الأصالة) و(الحداثة) و(التراث) و(التجديد)، وكيف استطعت أن تتجاوز هذا التقسيم وترضي مختلف التيارات إبان توليك لرئاسة النادي؟
- هذه المصطلحات كانت موجودة وبالنسبة لنا لم تكن هناك حساسية من هذه التنوعات الثقافية بل كنا نحتويهم فنحن كنا نعمل بالوسطية.
- الشيخ عبدالله تطرقت في حديثك إلى أن نادي الرياض الأدبي هو أول نادي أدبي على مستوى المملكة فعل النشاط لنسائي بصوره لا تتعارض مع الدين أو المجتمع؟ فما هو رأيك بمن يطالب بوجود المرأة في مناصب عليا بالمملكة؟
- أنا لا أرى بأساً في قيادة المرأة للمجتمع في بعض الجوانب كالجانب الأدبي والعلمي، فهناك نورة الفايز مثلاً في منصب عالٍ بوزارة التربية والتعليم، فالمفروض أن تكون هناك مناصب للمرأة بشرط أن تكون امرأة معتدلة ومستقيمة فكرياً ودينياً وأن تكون على مستوى من العلم والأدب والثقافة.
-زورقك الشعري إلى أين يتجه الآن.. وهل أنت بصدد طباعة ديوان جديد؟
- آخر ديوان صدر لي منذ ثلاثة أشهر وهو ديواني الثالث كما ستصدر لي المجموعة الشعرية الكاملة إن شاء الله خلال الأيام القادمة.. حيث سيقع الكتاب في 700 صفحة.
* الشيخ عبدالله بن إدريس في الختام سعدنا بلقائك معنا هل من كلمة أخيرة تود أن تقولها؟
- أتمنى أن يتطلع شباب هذا الوطن إلى العلا فيما يخدم دينهم ووطنهم.
عبدالله بن إدريس.. فصول من مسيرة ثمانين حولاً..
- عبدالله بن عبدالعزيز بن إدريس
- ولد عام 1348هـ في بلدة (حَرْمَة) بمنطقة سدير.
- تلقى دراسته الأولية في بلدته حرمه.
- سافر إلى الرياض عام 1366هـ لطلب العلم على كبير علماء المملكة في زمانه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله- تلقى عليه في حلقات دروسه: أصول العقيدة، والفقه، والتفسير، وعلم الفرائض، والنحو والصرف.
- في عام 1368هـ عين مدرساً للعلوم الدينية وقواعد اللغة العربية في الصفوف العليا بالمدرسة الفيصلية بالرياض.
- حين فتح (المعهد العلمي بالرياض) سنة 1370هـ استقال من التدريس والتحق بالمعهد دارساً السنتين الأخيرتين من المرحلة الثانوية بالمعهد.
- حين افتتحت (كلية الشريعة) لخريجي المعاهد العلمية بالرياض التحق بالكلية عام 1373هـ وتخرج فيها عام 1376هـ.
- عين (مفتشاً فنياً) على المعاهد العلمية ثم مديراً عاماً للتفتيش والامتحانات.
- انتقل عمله إلى (وزارة المعارف) مديراً عاماً مساعداً للتعليم الثانوي.
- ثم مديراً (للتعليم الفني) التجاري والزراعي، ومستشاراً ثقافياً لوكيل الوزارة معالي الأستاذ عبدالوهاب عبدالواسع -رحمه الله.
- عام 1384هـ طلب سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم من معالي الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ وزير المعارف -رحمه الله- إعارة خدماته (لمؤسسة الدعوة الصحفية) ليتولى الإعداد والترتيب لصدور جريدة الدعوة. وقد صدر العدد الأول من الدعوة في 10-1-1385هـ.
- كلف رئيساً للتحرير ثم مديراً عاماً للمؤسسة إضافة إلى رئاسة التحرير لمدة ثماني سنوات.
- هو أول صحفي سعودي يجمع بين رئاسة التحرير والإدارة العامة للمؤسسة.
- بعد انتهاء إعارته للدعوة نظاماً رجع إلى وزارة المعارف وذلك عام 93.
- عينه معالي الوزير الشيخ حسن بن عبدالله (أميناً عاماً للمجلس الأعلى للعلوم والفنون والآداب) ووضع مع وكيل الوزارة حينذاك نظام هذا المجلس وصدر به مرسوم ملكي من الملك فيصل -رحمه الله.
- في عام 1396هـ انتقل إلى جامعة الإمام محمد بن سعود وعين أميناً عاماً للجامعة.
- صار مديراً عاماً للتعليم العالي في الجامعة ومديراً للبعثات.
- ثم صار مديراً عاماً للثقافة والنشر العلمي في الجامعة وعضواً في المجلس العلمي للجامعة حتى تقاعد.
- تولى رئاسة النادي الأدبي بالرياض قرابة (22) عاماً وهو من المؤسسين للنادي عام 1395هـ ضمن الأندية الأدبية الستة الأولى في المملكة: مكة، المدينة، الرياض، جدة، الطائف، جازان.
- رشح لجائزة الدولة التقديرية في الأدب لعامها الثالث (1405هـ) هو والأستاذان الشاعران حسين سرحان ومحمد حسن فقي إلا أن الجائزة توقفت بعد عامين من إيجادها.
عضويته في المؤسسات العلمية والثقافية
1- عضو (مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز مدة 12 عاماً) بقرارين للملك فيصل -رحمه الله.
2- عضو هيئة تحرير (مجلة الدارة) حتى الآن.
3- عضو المجلس العلمي لجامعة الإمام.. قبل تقاعده.
4- عضو مجلس إدارة مؤسسة الدعوة الصحفية حتى الآن.
5- عضو شرف رابطة الأدب الإسلامي العالمية.
مثل المملكة في عدة مؤتمرات ومهرجانات شعرية من ذلك:
1- مؤتمر أبي فراس الحمداني في حلب، سورية عام 1382هـ.
2- مؤتمر الأدباء العرب ومهرجان الشعر الثاني عشر في الجزائر عام 1394هـ.
3- مهرجان (المربد) الثاني في البصرة ثم في بغداد عام 1973م.
4- مهرجان المربد حتى توقف باحتلال الكويت.
5- المهرجان الشعري لدول الخليج.
6- مؤتمر رابطة الأدب الإسلامي العالمية في استانبول بتركيا عام 1410هـ.
7- مؤتمر القمة العربي الثالث بالمغرب عام 1385هـ.
8- مهرجانات عبدالعزيز البابطين الشعرية في كل من: القاهرة- ليبيا- الجزائر- لبنان- إيران.
- منح (وسام الريادة) و(الميدالية الذهبية) من (المؤتمر الأول للأدباء السعوديين) الذي عقد في مكة عام 1394هـ تقديراً له على كتابة (شعراء نجد المعاصرون) بصفته أول كتاب من نوعه صدر في هذه البلاد.
- منح الكثير من الدروع والميداليات الذهبية والجوائز المختلفة من عدة جهات داخلية وخارجية.
- فازت قصيدته عن حرب الجزائر بجائزة إذاعة صوت العرب.
- فازت قصيدته (رائد المجهول) بجائزة (هيئة الإذاعة البريطانية) في مسابقتها الدولية على مستوى العالم العربي وذلك عام 1381هـ 1961م.
صدرت له الكتب التالية:
1- (شعراء نجد المعاصرون) عام 1380هـ طبع عدة طبعات.
2- ( في زورقي) ديوانه الأول في (350) صفحة طبع ثلاث طبعات أولها عام 1404هـ.
3- (إبحار بلا ماء) ديوانه الثاني عام 1419هـ.
4- (كلام في أحلى الكلام) دراسات شعرية عام 1410هـ طبع 3 طبعات.
5- (عزف أقلام) في النقد الأدبي عام 1412هـ وطبع 3 طبعات.
6- الملك عبدالعزيز كما صوره الشعراء العرب عام 1420هـ.
7- ملامح عن ثقافة منطقة الرياض قبل الأندية الأدبية بالاشتراك.
8- كتب مقررات اللغة العربية للمرحلة الثانوية بالاشتراك مع أساتذة من جامعة الملك سعود.
9- الشعر في قلب الجزيرة العربية خلال النصف الثالث من القرن الرابع عشر المنصرم. دراسة ألقى ملخصاً لها في (مؤتمر الأدباء السعوديين الأول) غير مطبوع.
لن نرحل عن زورقك وإن أبحرت بلا ماء!!
د. عبدالرحمن بن إبراهيم الدريس *
عبثاً، مثلي يحاول أن يقلب أوراق الشيخ عبدالله بن إدريس، المربي والإداري والصحفي والشاعر والإعلامي والأديب، فخمسون عاماً من الإبداع الفكري أمضى نصفها على سدة أكبر نادي أدبي بالمملكة، ودواوين بذائقية: «في زورقي»، «إبحار بلا ماء»، «أأرحل قبلك أم ترحلين؟»؛ تجعل من هو أقدر وأعلم مني أولى بتقليب تلك الأوراق.
أما عبدالله بن إدريس الإنسان الغني بحميد الخصال، فهو من تزهو أحرف قلمي بالعروج على بعض الملامح المنتقاة من إنسانيته، مستهلاً كل ملمح ببيت شعر من نظمه.. فمن هو عبدالله الإنسان؟!
يا مسجداً طاب المقام بظله
وزكى الشعور بروضه تبجيلا
درس على الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم -رحمه الله- قبل أن يتخرج في كلية الشريعة واللغة العربية بالرياض؛ فكان وما زال مثاراً للإعجاب في قدرته على الفصل بين جدلية الأدب والإعلام وبين حياته الروحانية.
فهو مستقيم الفكر، نقي السريرة.
يسبقه كل من في مجلسه حين يكون الحديث دنيوياً، ولكنه يسبقهم جميعاً إلى الميضئة حين يُصدح بصوت الأذان.
تخاله أكثر الناس هدوءاً حتى يُغتاب أحد في حضرته؛ فينتفض ناهياً حتى ترتعد فرائصك من حزمه..
إنه عبدالله الورع!!
أبني إن أباكمو قد أكهلا
وطوى المسافة مسرعاً متعجلاً
كان مختلفاً عن معظم الآباء من أقرانه في حاضرة نجد، فلم تكن الشدة منهجاً لتربية أبنائه، بل كان يلاطفهم بأبوة حانية يندر أن توجد في ذلك الزمان الجميل في كل شيء إلا في صلافته! فبحسب أبنائه، كان العدل بينهم أميز ملامح أبوته، دون اعتبار لأسنانهم أو تفاوتهم العلمي والأدبي.
وبرغم صعوبة الإحكام على زمام الأمور مع الأبناء صغيري السن حديثي التجربة، إلا أنه كابد ما كابد حتى استتب له الأمر وكان له ما أراد.
فلما ألِفو الصراط؛ أصبحوا يزاحمونه نجاحاً أدبياً وإعلامياً ما كان ليكون لولا صبر وحكمة عبدالله الأب!!
أأرحل قبلك أم ترحلين
وتغرب شمسي أم تغربين
حين أبدع في قصيدته «أأرحل قبلك أم ترحلين؟» علا صرير الأقلام إعجاباً وتعجباً من بوح عاطفي لم تعتده فئة تشح بمشاعر الوفاء، فكيف بهذا البوح على رؤوس الأشهاد! إنها قمة الوفاء ووفاء على سفح القمة منه لشريكة حياته ورفيقة دربه، مستشعراً دورها في كل أمر رامه فناله.
كانت له كل ما أراد؛ فصار لها عاشقاً ثمانينياً يخشى الفراق..
ذلكم هو عبدالله العاشق!!
أعيش بالحب في سنتي وفي صحوي
وأزرع الود مشروباً ومأكولا
إذا ألفيت مجلسه الأسري، كبيراً كنت أم صغيراً، تراه من لحظة إبصاره لك متهلهل الأسارير، يتحامل على ركبتيه قائماً يسبقه في ذلك هشه وبشه؛ حتى يساورك الشعور بأنك عريس في مجلسه! وبالرغم من اشتهار حافظته بعجزها عن ملاحقة إبداع حرفه، إلا أنها تنشط حين يتعلق الأمر بأسرته؛ فتجده يغيب عن ظهر قلب أفراد أسرته من كهلهم إلى رضيعهم، مستذكراً بدقة متناهية أين يدرسون أو يعملون، بل أنه يحتفظ لكل فرد منهم بقصة أو نادرة خاصة به..
إنه العم عبدالله!!
أنا ما حييت فشيمتي تأبى التملق والخداع
هل مبدئي غير الصراحة والنزاهة في الطباع؟
عُرف بغيرته الشديدة على وطنه، واستماتته في الدفاع عنه في كل المحافل والمنتديات الأدبية العربية، إلا أن هذا لم يمنعه من أن يكون حازماً في الانتقاد حين يستلزم الأمر.
وبين الاستماتة في الدفاع والحزم في الانتقاد ظل طرحه عقلانياً متوازناً لا مائعاً ولا مرجفاً؛ فكان له ذلك التقدير لدى ولاة الأمر، فبعد تشريف سلمان الوفاء لحفل تكريم أسرة الدريس لعميدها، ها هو ملك الإنسانية يمنح جائزة شخصية العام في مهرجان الجنادرية..
لعبدالله المواطن!! عبدالله.. أيها الإنسان الورع، والأب العاشق، والعم المواطن..
لمثلك، فليكل المديح، وليجزل الثناء، فمن لم يصب إلى المديح والثناء يوماً؛ أجدر أن تساقا إليه يوم تكريمه! يا شخصية العام، ما تكريم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلا وسام شرف لك ولأسرتنا قاطبة؛ أفبعد هذا نرحل عن زورقك وإن أبحرت بلا ماء؟!